حوار | لمَ يجب أن يتلقى الأطفال اللقاحات المضادة لكورونا؟

من المقرّر أن تصل إلى إسرائيل في غضون الأسبوعين المقبلين، الدفعة الأولى من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، المخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما، وذلك في ظلّ نقاشات حادّة حول ضرورة تلقي الأطفال للقاحات المضادة للفيروس، ولا

حوار | لمَ يجب أن يتلقى الأطفال اللقاحات المضادة لكورونا؟

طفل يتلقى جرعة من اللقاح في مشفى إسرائيلي (أ.ب)

من المقرّر أن تصل إلى إسرائيل في غضون الأسبوعين المقبلين، الدفعة الأولى من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، المخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما، وذلك في ظلّ نقاشات حادّة حول ضرورة تلقي الأطفال للقاحات المضادة للفيروس، ولا سيّما أنهم أقلّ عُرضة للإصابة بحالات خطيرة بسببه.

لتسليط الضوء على الموضوع، أجرى موقع "عرب 48" الحوار التالي مع أخصائي طب الأطفال والأوبئة المعدية لدى الأطفال، د. حنا فرح الذي يعمل في المركز الطبي للجليل (مستشفى الجليل الغربي) في مدينة نهريا.

د. حنا فرح

"عرب 48": بداية، تمت المصادقة على تطعيم الأطفال من سن خمس سنوات حتى 11، وقد جاءت هذه المصادقة كإجراء استثنائي وطارئ... ما أهمية تطعيم الأطفال؟

د. فرح: أولا، نحن نعيش في ظل وباء كورونا منذ نحو عامين، والتطعيم للأطفال هو حديث فعلا، لكننا اكتسبنا تجربة وخبرة من خلال تطعيم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاما، ووصلنا إلى فهم كاف بالنسبة لموضوع الأعراض الجانبية، وهذا العام كانت هنالك دراسات كثيرة وواسعة حول هذه الفئة العمرية، اتضح من خلال بما لا يدع مجالا للشكّ، أن التطعيم ناجع جدا وأعراضه الجانبية ضئيلة جدا. وحينما صادقت مديرية الغذاء والدواء على طلب شركة "فايزر" كانت مطلعة على التجارب التي أجرتها الشركة على 3000 طفل، وكانت النتائج ممتازة جدا ومشجعة، وقد لوحظ أن الأجسام المضادة لدى الأطفال ترتفع بنسب أعلى بكثير منها لدى البالغين.

"عرب 48": هل يحصل الأطفال على جرعة مماثلة وبنفس الكمية التي تُعطى للبالغين؟

فرح: لا، يحصل الأطفال على ثلث الكمية التي يحصل عليها البالغ، ولذلك هي لقاحات خاصة بالأطفال، وهذه الكمية (الثلث) ترفع نسب الأجسام المضادة بشكل كبير جدا، وأعراضها الجانبية ضئيلة جدا نسبة لما ظهرت في تطعيم الأولاد الأكبر سنا. وعلى الأرجح سيحصل الأطفال على جرعتين وليس على جرعة واحدة، بفارق أسبوعين بين الجرعة والأخرى.

"عرب 48": كيف يمكن إقناع الأهل بتطعيم أطفالهم؟

فرح: أهم شيء في عملية إقناع الأهل هي الشفافية، بمعنى تزويدهم بالمعلومات الصحيحة والدقيقة بشفافية متناهية. ولو نظرنا إلى البديل عن التطعيم لن نجد سوى الإصابة بالفيروس وهذا الأمر أخطر بكثير من التطعيم.

"عرب 48": ما المبرر لتلقّي الأطفال للقاحات المضادة للفيروس رغم أنّهم يمثّلون الشريحة العمرية الأقل إصابة به، كما أن غالبيتهم العظمى لم تظهر عليهم أعراض المرض أو أنها ظهرت بصورة طفيفة؟

فرح: نجد فعلا أن أعراض كورونا على الأطفال طفيفة، والغالبية العظمى منهم لا يصلون إلى حالات خطيرة. في المقابل هناك قلة قليلة من الأطفال تظهر عليها علامات المرض وتضطر للمكوث بالمشافى، ومنهم من يحتاجون إلى تنفس اصطناعي، ولكن هنالك ما هو أبعد من ذلك، فقد لوحظ تأثير الإصابة بفيروس كورونا على الأطفال بعد التعافي من المرض، فقد تظهر عليهم أعراض التهابية في أجهزة متعددة من الجسم بعد أسبوعين أو ثلاثة من إصابتهم بالفيروس، حتى وإن لم تظهر عليهم أعراض أثناء إصابتهم بالفيروس نفسه.

(أ ب)

ونلاحظ أن البعض منهم يعانون من التهاب في جهاز التنفس وارتفاع الحرارة وآلام حادة في البطن، والتهاب بعضلة القلب، وهبوط ضغط الدم وغيرها من الأعراض، وهو ما نسميه بالتهابات متعددة الأجهزة ويعرف بالإنجليزية بـ"pims".

ونتيجة هذه الأعراض أُدخل الكثير من الأطفال إلى العناية المكثفة، وتلاحَظ هذه الظاهرة بنسبة واحد لكل 3200 إصابة، وهي نسبة ليست ضئيلة لو نظرنا إلى أن عدد الأطفال الذين أصيبوا بكورونا تقارب النصف مليون.

أمر آخر يتعلق بالأطفال هو ما يعرف بمصطلح "long covid" أي ظواهر ما بعد الإصابة بكورونا، وهي حالات مرضيّة لم تكن موجودة لدى الأطفال في السابق، وهي الضعف العام والهزال، والتعب الشديد بعد الجهد والصداع وآلام في العضلات، وهي حالات ظهرت على المدى البعيد، جرّاء الإصابة بكورونا.

"عرب 48": ما العلاقة بين التطعيم والتهاب غشاء عضلة القلب؟

فرح: صحيح أن واحدة من الأعراض الجانبية للتطعيم هي الإصابة بالتهاب في عضلة القلب، لكن من الجهة الأخرى، إن فيروس كورونا يسبب التهابا بعضلة القلب أضعاف المرات أكثر من التطعيم الذي يظهر فيه هذا العارض بنسبة 2 لكل 10 آلاف طفل متطعِّم، وهو التهاب غير خطير ويعالَج بالأدوية. لذلك من المهم تطعيم الأطفال من أجل الوصول إلى ما يُعرف بالمناعة الجماعية أو "مناعة القطيع".

تلقي الأطفال للقاح يحمي الكبار كذلك (أ ب)

ولتوضيح هذا المصطلح أقول إن معظم الأوبئة تزول وتنتهي من العالم في حالتين، إما أن يمرض الجميع ويصبح لديهم مناعة، وفي هذه الحالة سيكون الثمن باهظا وسنخسر الكثير من الأحباء الذين سيقضي عليهم الوباء، أو بالتطعيم الجماعي، وطبعا التطعيم هو الوسيلة الأفضل والأقل ثمنا بالأرواح البشرية.

"عرب 48": هل في تطعيم الأطفال حماية للبالغين؟

فرح: بالطبع، وهذه نقطة مهمة جدا. إن التطعيم حيوي وناجع ليس فقط للأطفال، وإنما هو حماية للكبار الذين يصيبهم المرض بشكل أصعب وأخطر، فالطفل قد يحمل الفيروس دون أن يشعر، وينقله للكبار كالجد والجدة، وهذا الأمر يمكن تفاديه من خلال تطعيم الأطفال.

"عرب 48": هل تعتقد أننا سنقضي على الوباء إذا ما تلقّى الأطفال اللقاحات المضادة للفيروس؟

فرح: لا تنسى أنه كانت لدينا موجة أولى وثانية وثالثة ورابعة من الوباء، والأخيرة في تراجع اليوم، لكن لا يمكن التخلص من كورونا دون أن تكون هنالك مناعة جماعية أو "مناعة القطيع"، وتلقّي الأطفال للقاحات يعزز المناعة الجماعية.

"عرب 48": ماذا لو كانت هنالك طفرات أخرى كالتي ظهرت مؤخرا باسم "دلتا YA.4.2"؟

فرح: هذا أيضا سبب يجب أن يكون دافعا لتلقي التطعيم، لأن الطفرات أو السلالات الجديدة للفيروس تنشأ طالما أن الفيروس موجود، وحين تحصل الغالبية العظمى على التطعيم، نقلل من احتمال نشوء سلالات جديدة لأن العدوى فيه تكون قليلة جدا، وبالتالي تصبح قدرة الفيروس محدودة جدا في تطوير طفرات وسلالات جديدة، والعكس صحيح، فكلما كان تفشي الفيروس على نطاق واسع يزداد احتمال نشوء طفرات جديدة.

أُجريت دراسات كثيرة تؤكد أن اللقاحات آمنة (أ ب)

ولا بد من الإشارة إلى أن هنالك اليوم أكثر من 500 طفل في البلاد، ممن يُصنَّفون على أنهم في دائرة الخطر، ويعانون من أمراض مزمنة ومن السمنة والسكري وضعف جهاز المناعة؛ قد تلقوا التطعيم، ومن خلال متابعة حالاتهم لم تكن لديهم أي أعراض جانبية.

"عرب 48": كون التطعيم حديثا وغير تقليدي من حيث التقنية، هل هنالك مبرر للتردد والتخوف من تلقّيه؟

فرح: كل تطعيم يحتاج الى سنوات من التجارب للمصادقة عليه، لكن تقنية التطعيم ضد كورونا، ليست في طور التجربة إذ إنها معروفة منذ زمن طويل، وهي تقنية آمنة جدا وحيوية، وبخاصة للأطفال.

السلاح العصري الجديد الذي نستطيع بواسطته أن نهزم الوباء هو التطعيم، وأنا لا أعرف وسيلة أخرى تم من خلالها القضاء على الأوبئة سوى التطعيم، وهنالك العديد من الأوبئة التي نعرفها قد انتهت فعليًّا بفضل التطعيم.

التعليقات